مرسوم القانون الذي وافق عليه مجلس الوزراء لمواجهة الانفلات الأمني، خطوة مهمة تأخرت كثيراً.. ورغم أنها لن تحسم المشكلة بشكل نهائي، إلا أنها تمثل إضافة للقوانين القائمة والتي تتضمن مواد تواجه حالة الفوضي، غير أن القيمة الحقيقية لمرسوم القانون تتمثل في تأكيد المجلس العسكري والحكومة علي ضرورة القضاء علي ظاهرة تهدد المجتمع ومكتسبات الثورة.
والقول بأن ما يحدث في مصر من فوضي، يعد أمراً طبيعياً، ويحدث عقب أي ثورة في العالم، قول مغلوط. ومن يردد أن ما يحدث بمصر أقل كثيراً من كل المجتمعات التي حدثت بها ثورات، يرسخ لحالة فوضي هدامة، ويبرر طيبة الحكومة التي تصل إلي حد التراخي في مواجهة مظاهر تحدي القانون، وضياع هيبة الدولة، وإشاعة مناخ من الانفلات الأمني، يهدد استقرار البلد والثورة.
الحكومة بهذا السلوك تساهم دون أن تدري في حالة عصيان، وفي دعم الثورة المضادة. هناك فرق بين المقصود من القول بأن الفوضي أمر طبيعي بعد الثورة، وحقيقة تاريخ الثورات وما يترتب عليها من تغيير جوهري في المجتمع للقضاء علي كل المظاهر التي أدت إلي الثورة، من تغيير في نظم الحكم، وتصحيح مسار التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من الأوضاع التي تترتب عليها اجراءات استثنائية وتنفيذية تستلزم اصدار دساتير وتشريعات تتواكب والتوجهات الجديدة للدولة وتعبر عن فكر وأهداف من قاموا بالثورة، ومسار أي ثورة قد يستغرق سنوات حتي يستقر النظام الجديد وتحقق الثورة نتائجها.
أما اعتبار حالة الفوضي الحالية أمراً طبيعياً. فهو حق يراد به باطل، والترويج لهذا الفكر يدمر المجتمع ويقوض الدولة ويضعف قوة الحكومة وقدرتها علي الحسم في المواجهة المطلوبة. فما علاقة التغييرات الجذرية بالمجتمع - عقب الثورة - وفق خطوات وإجراءات متتالية وشرعية لبناء الدولة، بما يحدث من فوضي. هناك فرق بين التغيير الثوري المؤسسي المنظم، وحالة الفوضي التي نعيشها، ما علاقة المطالب الفئوية والاعتصامات بالثورة؟! هل قامت الثورة لتقليل الإنتاج وخفض معدل النمو إلي ٥.٢٪ بعد ان كان ٨.٥٪ حسب تأكيد وزير مالية الثورة؟!. وهل من أهداف الثورة قطع طريق السكة الحديد بسبب برج شركة محمول وتعطيل مصالح الناس، وتشويه صورة مصر السياحية في قطاع يخسر يوميا ٠٤ مليون جنيه؟! وهل تقصير الحكومة في مواجهة الانفلات الأمني وتهديد حياة وممتلكات الناس، أمر طبيعي للثورة؟! وما علاقة الثورة بمواطنين لا يجدون سكنا ويتخذون من أهم طرق القاهرة أمام ماسبيرو ملجأ لهم؟ وأي إهانة للقانون والحكومة عندما أصر بعض العاملين بوزارة التجارة والصناعة علي أن يقطع الوزير اجتماعا مع مستثمرين أجانب اعتراضا علي تخفيض الحوافز؟! هل بذلك سنجلب الاستثمارات في بلد يعاني ٠٧٪ من سكانه من الفقر، ومهدد بالعيش علي اعانات الغير بعد شهور؟!.
ما علاقة كل هذه الفوضي الهدامة بالثورة؟! ألا تشعر الحكومة بالتساؤل المخيف المعبر عن حالة الرعب التي يعيش فيها الناس »مصر رايحة علي فين؟«. في وقت من المفترض أن يعي فيه الجميع أن مصر تنطلق إلي آفاق الدولة العصرية القوية.
تاريخ الثورات يؤكد ان الشعوب تعرف أهدافها.. وفي مصر حددت ثورة ٣٢ يوليو ٢٥٩١ مبادئها الستة بالقضاء علي الاستعمار والاقطاع وسيطرة رأس المال واقامة حياة ديمقراطية سليمة وعدالة اجتماعية. وأحدثت الثورة تغييراً شاملاً في الحياة المصرية نظمته دساتير وقوانين. ولكن انحراف الثورة عن مسارها أدي بنا إلي ما نحن فيه اليوم.. ومصر لا تتحمل انحرافات جديدة في مسار تاريخها، فانهضوا جميعاً للقضاء علي الفوضي، وترجموا عملياً تصريحات المواجهة الحاسمة!.
موضوع: الموقف السياسي 
السبت يونيو 18, 2011 12:49 pm
