.السورة غايتها أعمق من مجرد أن تكون رسالة إنذار لظالم واحد، فرسالتها عميقة والتهذيب الروحي لكل نفس تشرد عن طريق ربها، أو شذت عن الغاية التي خلقت من أجلها.
سورة البلد رسالة لا تنتهي صلاحيتها لانعدام آفاق محدوديتها. فهي رسالة عامة لا تتأثر بالطقس ولا بالظروف، ورسالة إنسانية تخاطب في الإنسان عقله وروحه سواء بسواء؛ دون تمييز للون أو جنس.
هي رسالة يحتاجها البشر في زمن التجبر المادي والتسلط الإلكتروني، وطغيان حضارة المادة على فطرة الروح. هي رسالة إصلاحية هدفها الإنسان مجرد من الزمان والمكان والأوصاف والألوان، وهدفها المجتمع المفتقر إلى قيم التراحم والصبر والتعاون والبر.
رسالة لكل أمة
معالم الرسالة الأولى موجهة لكل أحد يظن أن بنيانه البدني؛ قد يكون مدعاة له على ظلم الناس أو الظهور عليهم. وهي رسالة لكل أمة تظن أن تقدمها في عالم المادة تحصيل أسباب التقدم، يجعل من حقها أن تدعي تسلطها على العالم، فتنصب من نفسها قيّمة على إرادة الشعوب، ومصدرة لما ترتئيه صوابًا، فتجعل منه قانونًا يحكم به في الأرض، وتنصب لمخالفيه المشانق.
كما أنها رسالة لكل من يظن أن ذكاءه العقلي ونبوغه الذهني يبيح له الاستيلاء على عرش الأرض فيضارع الله في ملكه منخدعًا بما أوتي من بنيان قوي وعقل ذكي.
هذا السلطان البدني أو العقلي يحتاج إلى صيحة تنبيه أن ثمة قوة أعلى وأقوى عليه أن يذعن لها هي قوة الخالق العظيم، وأن إذعانه وإقراره بضعفه هو أعلى صورة من صور قوته الحقيقية، فتطوره ونموه العقلي جزء من مشيئة الخالق العظيم. تأتيه الرسالة موجزة في استنكار: "أيحسب ألن يقدر عليه أحد؟!" أيها المخدوع قف! فهناك من يسيرك!.